قطعة خزفية محلية من معرض فن الفسيفساء الاردن -عمان
لطالما كان تراث الأمم ركيزة أساسية من ركائز هويتها الثقافية، وعنوان اعتزازها بذاتيتها الحضارية في تاريخها وحاضرها؛ ولطالما كان التراث الثقافي للأمم منبعا للإلهام ومصدرًا حيويا للإبداع المعاصر ينهل منه فنانوها وأدباؤها وشعراؤها، كما مفكروها وفلاسفتها لتأخذ الإبداعات الجديدة موقعها في خارطة التراث الثقافي، وتتحول هي ذاتها تراثا يربط حاضر الأمة بماضيها، ويعزز حضورها في الساحة الثقافية العالمية. وليس التراث الثقافي معالم وصروحا وآثارًا فحسب، بل هو أيضا كل ما يؤثر عن أمة من تعبير غير مادي، من فولكلو، وأغان وموسيقى شعبية وحكايات ومعارف تقليدية تتوارثها الأمة عبر أجيال وعصو، وكذا تلك الصروح المعمارية المتعددة والمختلفة، وتلك البقايا المادية من أوانٍ وحلي، وملابس، ووثائق، وكتابات جدارية وغيرها؛ إذْ كلها تعبّر عن روحها، ونبض حياتها وثقافتها.
ويأتي فن الفسيفساء كواحد من الحرف اليدوية التقليدية المتعارف عليها في الأردن وتنقل القطع المصنوعة بطريقة الفسيفساء مستخدمها إلى روايات الماضي فيما تقدمه من رسوم وزخارف تزين الأدوات التي تستخدم في الحياة اليومية.
المهندس عمر الطاهات صاحب أحد المشاغل المتخصصة في فن الفسيفساء يرى أن الفسيفساء من الحرف اليدوية التي تلقى رواجاً في الأردن نتيجة لتطورها السريع، إضافة لما تتضمنه من ملائمة لتعدد الأذواق والسعي نحو التميز, ويعدد الطاهات المنتجات التي يعتمد فيها على فن الفسيفساء ويقول "ننتج التحف والاكسسوارات المنزلية المختلفة في الأشكال والأحجام والزخارف"، إضافة إلى الأضواء الجانبية المنتجة من عجينة الصلصال والمفرغة بأشكال الفسيفساء الستوحاة من آثار مادبا, وكذلك ينتج مصنعه أدوات المطبخ من صحون التسالي والفناجين والأكواب وصواني الضيافة، والمباخر إضافة إلى الجداريات واللوحات الاعلانية ويجد أن القطع التي يتم العمل عليها بتطبيق فن الفسيفساء اليدوي تنال اعجاب السياح والمواطنين في آن واحد ويبين أن هذه القطع المصنوعة بطريقة الفسيفساء تمر في عدة مراحل لتصل إلى وضعها النهائي ويشير الطاهات الذي يعمل رئيساً لقسم معالجة وتركيز الخامات المعدنية في سلطة المصادر الطبيعية إلى ان الطينة التي يستخدمها في صناعة الفسيفساء الأردنية هي طينة محلية لصناعة الخزف من المواد الخام الأردنية كان قد حصل على براءة اختراع فيها وضمن تعداده لميزات الطينة يقول أنها تمتاز بمواصفات تضاهي المواصفات العالمية من حيث التشكيل على الدولاب وقابليتها لامتصاص الزجاج وتحملها لدرجات حرق عالية من 1000 إلى 1200 درجة مئوية.
ويشرح آلية العمل بدءا من احضار الخامات من مواقعها حيث يتم احضار الصلصال من معان والرمل الزجاجي من رأس النقب وكربونات الكالسيوم من الكرك ومادة البنتونايت من الأزرق ومادة التريبولي من الطفيلة. وعند خلط المواد بنسب متفاوتة يتم طحنها بالماء لتصل إلى حجم حبيبي أقل من 600 مايكرون، تتبع بعملية الفلترة من الماء لتصل إلى درجة رطوبة من 25 -30 % ثم تتم عملية العجن والتفريغ من الهواء حتى لا يحدث الهواء فقاعات داخل القطعة يؤدي إلى انفجارها أثناء عملية الشوي على درجات حرارة مرتفعة. وبعد أن تفرغ العجينة من الهواء تتم عملية التشكيل على الدولاب لانتاج قطع تختلف في اشكالها ورسوماتها وحتى استخداماتها وبعد عملية التشكيل تترك القطع لتجف وتحتاج من ثلاثة إلى أربعة أيام ثم تطلى القطعة بمادة (الأنجوب) بيضاء اللون لتبدأ بعدها مرحلة جديدة مرتبطة بالزخرفة والرسم بالاعتماد على الأشكال المستوحاة من أشكال الفسيفساء في الأردن وبحسب الطاهات الذي استلم أخيرا منصب رئيس جمعية صناع الحرف التقليدية في الأردن فإن عملية الرسم والزخرفة لا تتم بشكل عشوائي منوهاً إلى أنها عملية مخطط تتم بالاعتماد على تصاميم مشغولة مسبقاً.
وبالنسبة للقطع التي تستوحى رسوماتها من الفسيفساء في الأردن يقول الطاهات "نستوحي التصاميم من آثار الفسيفساء الموجودة في الأردن وهي متوفرة في كتاب خاص لهذا الغرض يحمل اسم (الفسيفساء في الأردن)" ويشير إلى أن الرسومات المستوحاة من الآثار تشكل عامل جذب مهما للسياح، خصوصاً بعد تعرفهم على رموز الرسومات والقصص التي ترويها. ويعود الطاهات في حديثه متابعاً شرحه لآلية العمل، لافتاً إلى أن عملية تطبيق الأكاسيد والألوان الحرارية تتم باستخدام الفرشاة ثم تدخل القطعة إلى الفرن لتتم عملية الشوي لمدة تصل إلى ثماني ساعات، تخضع بعدها القطعة لعملية التبريد البطيء الذي يتبع بتغطيس القطعة بمحلول الزجاج ثم تدخل القطع الفرن مرة أخرى بنفس المدة السابقة وعلى درجة حرارة تتراوح من 950 إلى 1050 درجة مئوية وضمن التطور الحاصل على حرفة فن الفسيفساء في الأردن ينوه إلى أن العاملين في هذا المجال اتجهوا لعمل تصاميم لا تقتصر على الاشكال الفسيفسائية بل تشمل المناظر الطبيعية والزخارف الاسلامية إضافة إلى الصور التقريبية للأشخاص وفي عمل الجداريات يبين ان رسمها يتم بأي حجم ضمن خلطة خاصة مضغوطة بقوالب ذات احجام مختلفة لافتا إلى أن الصعوبة في الجداريات تكمن في مرحلة المناولة من المكبس إلى الفرن ويرى الطاهات ان الاقبال على القطع والأدوات المصنوعة بطريقة فن الفسيفساء لا يقتصر على السياح. يقول: "هناك اهتمام واضح من الاردنيين بهذا الفن، خصوصاً مع توفر امكانية تطبيق تصاميم حسب الطلب" وتتضمن فسيفساء "خارطة النهر" الموجودة في كنيسة مادبا تصميماً يظهر نهر الأردن وسمكتين تتجه الأولى مع النهر والثانية بعكس النهر ويأتي رجوع السمكة باتجاه معاكس لاتجاه النهر كدلالة على انعدام الحياة في البحر الميت يشار إلى أن مدينة مادبا الأردنية تقع في جنوب العاصمة الأردنية عمان، ويرجع تاريخها إلى أكثر من 4500 عام، وتحوي أكبر مجموعة من اللوحات الفسيفسائية.
للتواصل ولمزيد من المعلومات
T : 00962790374438
المراجع
hookhand
الكاتب بشير خلف
جريدة الغد
المهندس عمر الطاهات
مشغل فن الفسيفساء
مشغل دربي
تعليقات
إرسال تعليق